السودان والسعودية- تاريخ من المحبة وجهود السلام المستمرة
المؤلف: جميل الذيابي11.26.2025

إن المقولة الراسخة بأن السياسة تقوم على المصالح لا العواطف، هي حقيقة مُسلَّم بها، لكنها لا تصدق في جميع الأحوال؛ والسودان خير مثال على ذلك، حيث يتبادل شعبه مع السعوديين أسمى معاني المحبة، والتقدير الرفيع، والاحترام المتبادل. تربط بين البلدين الشقيقين (المملكة العربية السعودية والسودان) روابط وثيقة وأواصر متينة، تشكل نموذجًا فريدًا لعلاقات تاريخية راسخة في بقعة إستراتيجية بالغة الأهمية تُعنى بأمن العالم أجمع (مياه البحر الأحمر).
لذا، كان وقع الاقتتال الأهلي الدائر بين الأشقاء في السودان بمثابة الصدمة العنيفة على قلوب جميع المحبين والمدركين لصفاء ونقاء السودانيين وطيبتهم الفطرية، بالإضافة إلى الأهمية الإستراتيجية القصوى لبلادهم،خاصةً موقعها الجغرافي المتميز الذي يربط قارة أفريقيا بالعالم العربي بأكمله.
لقد بذلت المملكة العربية السعودية جهودًا مضنية منذ اندلاع الأزمة، وذلك باستضافة الأطراف السودانية المتنازعة بهدف التوفيق بينهم وتقريب وجهات النظر، من خلال سلسلة من جولات المفاوضات والوساطات الدؤوبة؛ إلا أن تعقيدات الأمور لا تزال تشكل عائقًا أمام التوصل إلى اتفاق نهائي وشامل.
ومع ذلك، يبقى الأمل مشتعلاً وحاضراً بانتظار حدوث الانفراج المرتقب، وأن يعود السلام والوئام إلى ربوع السودان.
للأسف الشديد، إن المتأمل في التاريخ المعاصر للسودان يدرك بأنه بلد لم ينعم بالاستقرار إلا لسنوات قليلة، منذ استقلاله عن براثن الاستعمار البريطاني في عام 1956؛ فما أن غادرت طلائع قوات الاحتلال محطة القطارات في الخرطوم، وبدأ تطبيق ما عُرف بتجربة «الحكم الذاتي» في عام 1953، حتى استيقظ السودانيون على وقع أول انقلاب عسكري استمر حكمه من عام 1958 إلى عام 1964. ونجحت ثورة أكتوبر المجيدة عام 1964 في الإطاحة بحكومة الرئيس الفريق إبراهيم عبود؛ ليحظى السودانيون بفترة خمس سنوات من الحكم المدني الرشيد، شهدت أروع مؤتمر نهضوي عربي، وهو مؤتمر «اللاءات الثلاث» الشهير؛ والذي استضافته العاصمة الخرطوم في عام 1967. وقد شهد هذا المؤتمر التاريخي توحيد الرؤية العربية تجاه القضية الفلسطينية العادلة.
إلا أن هذا الاستقرار النسبي لم يدم طويلاً، إذ سرعان ما استيقظ السودانيون مرة أخرى في 25 مايو 1969 على دوي تحركات القوات العسكرية التي نفذ بها جعفر نميري انقلابه العسكري؛ الذي استمر حتى منتصف الثمانينيات من القرن الماضي (1985).
بعد فترة حكم نميري، لم يمضِ على السودان سوى ثلاث سنوات فقط تحت مظلة الحكم المدني، ليفاجأ السودانيون مرة أخرى في 30 يونيو 1989 بنبأ وقوع انقلاب عسكري مدبر نفذه تنظيم «الإخوان المسلمين» الإرهابي بقيادة عمر البشير، وحسن الترابي.
ومنذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا، لا يزال السودانيون يكابدون ويلات حكم «تسييس» الدين، وتأجيج نار الفتن والخلافات، وبث الفرقة والشقاق بين أفراد المجتمع، وتزايد النعرات العرقية المقيتة، حتى انقسم السودان في نهاية المطاف إلى دولتين، واستقل الجنوب عن الشمال.
ومما يثير الدهشة والاستغراب أن حكم «الإخوان» للسودان تحول إلى مأزق حقيقي، من خلال انضمام السودان وتصدره لدعائم محور التخريب الذي يهدد أمن واستقرار المنطقة بأسرها. فقد سعى «إخوان السودان» بكل ما أوتوا من قوة إلى تقويض علاقات السودان الوطيدة مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي، وذلك منذ انحيازهم إلى صف نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، إبان قيامه بغزو دولة الكويت الشقيقة عام 1990، ومن خلال التقارب المشبوه مع إيران، واستهداف جمهورية مصر العربية، وصولاً إلى تنفيذ محاولة خسيسة لاغتيال الرئيس الراحل حسني مبارك في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا عام 1995. وسبق ذلك استضافة زعيم تنظيم «القاعدة» الإرهابي أسامة بن لادن، والزعيم الروحي للإرهاب عمر عبدالرحمن.
وفي عام 1998، ورّط حكم الإخوان السودان في كارثة تفجير سفارتَي الولايات المتحدة الأمريكية في كل من كينيا وتنزانيا؛ وهو الأمر الذي أدى بدوره إلى تورط الخرطوم في محاولة تفجير مركز التجارة العالمي في مدينة نيويورك الأمريكية. وكانت النتيجة الحتمية لذلك فرض عقوبات اقتصادية أمريكية ودولية قاسية، جعلت حياة السودانيين البسطاء جحيمًا لا يطاق. وفي ذلك الوقت، قام صاحب السمو الملكي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بدور محوري وهام في إقناع الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس السابق دونالد ترمب برفع العقوبات عن السودان.
وقد بذلت الدبلوماسية السعودية جهودًا جبارة على مدار السنوات التي أعقبت الإطاحة بالرئيس عمر البشير في عام 2019، لتقريب وجهات النظر بين المكونين العسكري والمدني في السودان، حتى يمكن تلافي اندلاع الحرب اللعينة التي اندلعت في 15 أبريل 2023. ولا تزال المملكة العربية السعودية تبذل قصارى جهدها دون كلل أو ملل حتى يتوصل الأشقاء السودانيون إلى مصالحة وطنية شاملة تُعيد لبلادهم الأمن والاستقرار والازدهار.
الأكيد والجلي أن هناك فئة سودانية معينة وأطرافًا خارجية مغرضة لا تزال تعرقل مساعي حلحلة الأزمة السودانية الراهنة، ساعيةً بكل ما أوتيت من قوة إلى تحويل سواحل بورتسودان المطلة على البحر الأحمر إلى بحيرة تعج بالبوارج والسفن الحربية التابعة لقوى إقليمية ودولية، الأمر الذي من شأنه أن يهدد أمن واستقرار دول المنطقة بأسرها. ولكن هذا التوجه لن يثني المملكة العربية السعودية وحلفاءها عن مواصلة الجهود الفعالة والصادقة للوصول إلى الحل المنشود وتحقيق السلام الدائم، لتعود «العاصمة المثلثة» إلى وضع آمن ومستقر وتستعيد دورها كسلة غذاء لشعب السودان الشقيق بل وللعالم أجمع.
لذا، كان وقع الاقتتال الأهلي الدائر بين الأشقاء في السودان بمثابة الصدمة العنيفة على قلوب جميع المحبين والمدركين لصفاء ونقاء السودانيين وطيبتهم الفطرية، بالإضافة إلى الأهمية الإستراتيجية القصوى لبلادهم،خاصةً موقعها الجغرافي المتميز الذي يربط قارة أفريقيا بالعالم العربي بأكمله.
لقد بذلت المملكة العربية السعودية جهودًا مضنية منذ اندلاع الأزمة، وذلك باستضافة الأطراف السودانية المتنازعة بهدف التوفيق بينهم وتقريب وجهات النظر، من خلال سلسلة من جولات المفاوضات والوساطات الدؤوبة؛ إلا أن تعقيدات الأمور لا تزال تشكل عائقًا أمام التوصل إلى اتفاق نهائي وشامل.
ومع ذلك، يبقى الأمل مشتعلاً وحاضراً بانتظار حدوث الانفراج المرتقب، وأن يعود السلام والوئام إلى ربوع السودان.
للأسف الشديد، إن المتأمل في التاريخ المعاصر للسودان يدرك بأنه بلد لم ينعم بالاستقرار إلا لسنوات قليلة، منذ استقلاله عن براثن الاستعمار البريطاني في عام 1956؛ فما أن غادرت طلائع قوات الاحتلال محطة القطارات في الخرطوم، وبدأ تطبيق ما عُرف بتجربة «الحكم الذاتي» في عام 1953، حتى استيقظ السودانيون على وقع أول انقلاب عسكري استمر حكمه من عام 1958 إلى عام 1964. ونجحت ثورة أكتوبر المجيدة عام 1964 في الإطاحة بحكومة الرئيس الفريق إبراهيم عبود؛ ليحظى السودانيون بفترة خمس سنوات من الحكم المدني الرشيد، شهدت أروع مؤتمر نهضوي عربي، وهو مؤتمر «اللاءات الثلاث» الشهير؛ والذي استضافته العاصمة الخرطوم في عام 1967. وقد شهد هذا المؤتمر التاريخي توحيد الرؤية العربية تجاه القضية الفلسطينية العادلة.
إلا أن هذا الاستقرار النسبي لم يدم طويلاً، إذ سرعان ما استيقظ السودانيون مرة أخرى في 25 مايو 1969 على دوي تحركات القوات العسكرية التي نفذ بها جعفر نميري انقلابه العسكري؛ الذي استمر حتى منتصف الثمانينيات من القرن الماضي (1985).
بعد فترة حكم نميري، لم يمضِ على السودان سوى ثلاث سنوات فقط تحت مظلة الحكم المدني، ليفاجأ السودانيون مرة أخرى في 30 يونيو 1989 بنبأ وقوع انقلاب عسكري مدبر نفذه تنظيم «الإخوان المسلمين» الإرهابي بقيادة عمر البشير، وحسن الترابي.
ومنذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا، لا يزال السودانيون يكابدون ويلات حكم «تسييس» الدين، وتأجيج نار الفتن والخلافات، وبث الفرقة والشقاق بين أفراد المجتمع، وتزايد النعرات العرقية المقيتة، حتى انقسم السودان في نهاية المطاف إلى دولتين، واستقل الجنوب عن الشمال.
ومما يثير الدهشة والاستغراب أن حكم «الإخوان» للسودان تحول إلى مأزق حقيقي، من خلال انضمام السودان وتصدره لدعائم محور التخريب الذي يهدد أمن واستقرار المنطقة بأسرها. فقد سعى «إخوان السودان» بكل ما أوتوا من قوة إلى تقويض علاقات السودان الوطيدة مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي، وذلك منذ انحيازهم إلى صف نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، إبان قيامه بغزو دولة الكويت الشقيقة عام 1990، ومن خلال التقارب المشبوه مع إيران، واستهداف جمهورية مصر العربية، وصولاً إلى تنفيذ محاولة خسيسة لاغتيال الرئيس الراحل حسني مبارك في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا عام 1995. وسبق ذلك استضافة زعيم تنظيم «القاعدة» الإرهابي أسامة بن لادن، والزعيم الروحي للإرهاب عمر عبدالرحمن.
وفي عام 1998، ورّط حكم الإخوان السودان في كارثة تفجير سفارتَي الولايات المتحدة الأمريكية في كل من كينيا وتنزانيا؛ وهو الأمر الذي أدى بدوره إلى تورط الخرطوم في محاولة تفجير مركز التجارة العالمي في مدينة نيويورك الأمريكية. وكانت النتيجة الحتمية لذلك فرض عقوبات اقتصادية أمريكية ودولية قاسية، جعلت حياة السودانيين البسطاء جحيمًا لا يطاق. وفي ذلك الوقت، قام صاحب السمو الملكي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بدور محوري وهام في إقناع الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس السابق دونالد ترمب برفع العقوبات عن السودان.
وقد بذلت الدبلوماسية السعودية جهودًا جبارة على مدار السنوات التي أعقبت الإطاحة بالرئيس عمر البشير في عام 2019، لتقريب وجهات النظر بين المكونين العسكري والمدني في السودان، حتى يمكن تلافي اندلاع الحرب اللعينة التي اندلعت في 15 أبريل 2023. ولا تزال المملكة العربية السعودية تبذل قصارى جهدها دون كلل أو ملل حتى يتوصل الأشقاء السودانيون إلى مصالحة وطنية شاملة تُعيد لبلادهم الأمن والاستقرار والازدهار.
الأكيد والجلي أن هناك فئة سودانية معينة وأطرافًا خارجية مغرضة لا تزال تعرقل مساعي حلحلة الأزمة السودانية الراهنة، ساعيةً بكل ما أوتيت من قوة إلى تحويل سواحل بورتسودان المطلة على البحر الأحمر إلى بحيرة تعج بالبوارج والسفن الحربية التابعة لقوى إقليمية ودولية، الأمر الذي من شأنه أن يهدد أمن واستقرار دول المنطقة بأسرها. ولكن هذا التوجه لن يثني المملكة العربية السعودية وحلفاءها عن مواصلة الجهود الفعالة والصادقة للوصول إلى الحل المنشود وتحقيق السلام الدائم، لتعود «العاصمة المثلثة» إلى وضع آمن ومستقر وتستعيد دورها كسلة غذاء لشعب السودان الشقيق بل وللعالم أجمع.
